فصل: تفسير الآية رقم (127):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قالوا إنا إلى ربنا منقلبون} وفى الشعراء: {قالوا لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون}.
للسائل أن يسأل عن زيادة قوله: {لا ضير} في سورة الشعراء ولم يرد ذلك في الأعراف؟
والجواب عنه أن قوله: {لا ضير} مقابل به ما تقدم من قوله: {وقالوا بعزة فرعون} لما اعتقدوه أولا أن له عزة ونسبوها إليه فظنوا أنه يقدر على ما يريده ويستبد بفعله ثم لما وضح لهم الحق ورجعوا عن اعتقادهم وظنوا وعلموا أن القدرة والعزة لله سبحانه وسلموا لخالقهم ولم يبالوا بفرعون وملئه فقالوا: {لاضير} أي لا ضرر ولا خوف من فرعون إذ العزة له وحده ولما لم يقع من قولهم في الأعراف أولا مثل الواقع هنا لم يجيئوا في الجواب بما جاؤوا هنا فافترق الموضعان وجاء كل على ما يجب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}.
لمَّا كان مصيرهم إلى الله سَهُلَ عليهم ما لقوا في مَسيرهم إلى الله.
{وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)}.
لما عَمِلُوا لله، وأوذوا في الله، صدقوا القصد إلى الله، وطلبوا المعونة من قِبَلِ الله، كذا سُنّةُ مَنْ كان الله أن يكون كلُّه على الله. اهـ.

.قال في البحر المديد:

الإشارة: انظر من سبقت له العناية، هؤلاء السحرة جاؤوا يُحادون الله فأمسوا أولياء الله، فكم من خصوص تخرج من اللصوص، وانظر أيضًا صبرهم وثباتهم على دينهم، وعدم مبالاتهم بعدوهم، هكذا ينبغي أن يكون مَن مراده مولاه، لا يلتفت إلى شيء سواه، وعند هذه التصرفات يفتضح المُدّعُون ويثبت الصادقون، عند الامتحان يعز المرء أو يُهان. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {إِنَّا إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} جَوَّزُوا في هذا الضَّمير وجهين، أحدهما: أنَّهُ يَخُصُّ السَّحرةَ، لقوله بعد ذلك {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا} فإنَّ الضَّميرَ في مِنَّا يَخُصُّهُمْ.
وجَوَّزُوا أن يعود عليهم، وعلى فرعون، أي: إنَّا- نحن وأنت- ننقلب إلى للَّهِ، فيُجازي كلًا بعمله، وهذا وإن كان هو الواقعَ إلاَّ أنَّهُ ليس من هذا اللَّفظِ.
قوله: {وَمَا تَنقِمُ} قد تقدَّم في المائدةِ أنَّ فيه لغتين وكيفية تعدِّيه بـ {مِنْ} وأنَّهُ على التَّضمين.
وقوله: {إلاَّ أنْ آمنَّا} يجوز أن يكون في محلِّ نصبٍ مفعولًا به، أي: ما تَعِيبُ علينا إلاَّ إيماننا ويجوزُ أن يكون مفعولًا من أجله، أي: ما تنال مِنَّا وتعذِّبنا لشيءٍ من الأشياء إلاَّ لإيماننا وعلى كلا القولينِ فهو استثناءٌ مفرغ.
قوله: {لَمَّا جَاءَتْنَا} يجوزُ أن تكون ظرفيةً كما هو رأي الفارس، وأحد قولي سيبويه، والعامِلُ فيها على هذا آمَنَّا أي: آمنَّا حين مجيء الآيات، وأن تكون حرف وجوب لوجوب، وعلى هذا فلابد لها من جواب وهو محذوف تقديره: لما جاءتنا آمّنا بها من غير توقّف.
قوله: {لَمَّا جَاءَتْنَا} معنى الإفراغ في اللَّغَةِ: الصَّبُّ.
وأصله من إفراغ الإناء وهو صب ما فيه بالكليَّة، فكأنَّهُمْ طلبوا من اللَّه كلَّ الصَّبْرِ لا بعضه.
ونكَّرُوا الصَّبْر وذلك يدلُّ على الكمالِ والتَّمَامِ، أي: صبرًا كَاملًا تامًا، كقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ الناس على حَيَاةٍ} [البقرة: 96] أي: على حياة كاملة تامَّةٍ.
وقوله: {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} أي: توفنا على الدِّين الحقِّ الذي جاء بِهِ موسى. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {فظلموا بها} بأن جعلوها سحرًا فوضعوها في غير موضعها {عاقبة المفسدين} الذين أفسدوا الاستعداد الفطري بالركون إلى الدنيا ولذاتها {حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق} لأن قائم بحقائق الجميع فانٍ على الخلق وآثار التفرقة {فإذا هي ثعبان} لأنه أضاف العصا إلى نفسه في قوله: {هي عصاي} [طه: 18] ويعلم منه أن كل شيء أضفته إلى نفسك وجعلته محل حاجاتك فإنه ثعبان يبتلعك ولهذا قيل {ألقها يا موسى} [طه: 19] {فإذا هي بيضاء} فيه أن الأيدي قبل تعلقها بالأشياء كانت بيضاء نقية نورانية روحانية وأن اليد لموسى كانت روحانية في جميع الأوقات ولكن ما كانت نورانيتها منظورة للناظرين إلا بإظهار الله تعالى في بعض الأوقات خرقًا للعادات على يده الجسمانية {يريد أن يخرجكم} لا شك أن موسى أراد أن يخرجهم من أرضهم ولكن من أرض بشريتهم إلى نور الروحانية. {قالوا أرجه وأخاه} توهموا أن التأخير وحسن التدبير يغير شيئًا من التقدير، ولم يعلموا أن عند حلول الحكم لا سلطان للعلم والفهم. {أئن لنا لأجر} لم يعلموا أن أجرهم في المغلوبية لا في الغالبية {قال نعم وإنكم لمن المقربين} أجرى الله تعالى هذا على لسان فرعون حقًا وصدقًا فصاروا مقربين عند الله: {قالوا يا موسى إما أن تلقي} أكرموا موسى بالتقديم والاستئذان فأكرمهم الله تعالى بالسجود والإيمان {بسحر عظيم} أي عظيم في الإثم كما قال: {سبحانك هذا بهتان عظيم} وعظمة إثم السحر لمعارضة المعجزة {فإذا هي تلقف ما يأفكون} فيه أن عصا الذكر إذا ألقيتها عند إلقاء سحر سحرة صفات النفس تبتلع بفم لا النفي جميع ما سحروا به أعين الناس {فوقع الحق} بإثبات لا إله إلا الله: {وبطل ما كانوا يعملون} من تزيين زخارف الدنيا في العيون {فغلبوا} أي سحرة صفات النفس إذا تنوّرت بنور الذكر {وانقلبوا صاغرين} ذليلين تحت أوامر الشرع ونواهيه {وألقى السحرة ساجدين} أي صارت صفات النفس بعد التمرد منقادة للعبودية.
{رب موسى} الروح {وهارون} القلب. واعلم أن صفات النفس إذا تنوّرت بنور الذكر يتبدل كفرها بالإيمان ولكن النفس بذاتها لا تؤمن ولا تتبدل اللهم إلا عند غرقها في بحر الواردات والمواهب الربانية كحال فرعون وإيمانه عند الغرق. وفي القصة دلالة على أنه تعالى قد يبرز العدوّ في صورة الولي مثل بلعام وبالعكس كالسحرة {قبل أن آذن لكم} هذا من جملة جهل فرعون، ظن أن الإيمان بإذنه ولم يعلم أن الإيمان بإذن الله: {لمكر مكرتموه} في موافقة موسى الروح في مدينة القالب {لتخرجوا منها أهلها} هو اللذات والشهوات البدنية {لأقطعن} بسكين التسويل عن الأعمال الصالحة {ثم لأصلبنكم في جذوع} تعلقات الدنيا وزخارفها والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (127):

قوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قنع فرعون في ذلك الوقت الذي بهرت قومه تلك المعجزة الظاهرة بالانفصال على هذا الوجه الذي لم يدع فيه حيلة إلا خيل بها، وخلص موسى عليه السلام بقومه متمكنًا منهم بعض التمكن، وكان السياق لبيان أن أكثر الخلق فاسق، أخبر تعالى بما قال قوم فرعون بعدما رأوا من المعجز القاهر دليلًا على ذلك، فقال عاطفًا على {وألقي السحرة ساجدين} وما بعده، أو على قول فرعون: {وقال الملأ} أي الأشراف {من قوم فرعون} أي ظانين أن فرعون متمكن مما يريد بموسى عليه السلام من الأذى منكرين لما وصل إليه الحال من أمر موسى عليه السلام حين فعل ما فعل وآمن به السحرة، وما عمل فرعون شيئًا، لا قتله ولا حبسه، لأنه كان لا يقدرعلى ذلك ولا يعترف به لقومه {أتذر موسى وقومه}.
ولما كان ما كان في أول مجلس من إيمان السحرة جديرًا بأن يجر إليه أمثاله، سموه فسادًا وجعلوه مقصودًا لفرعون إحماء له واستغضابًا فقالوا: {ليفسدوا} أي يوقعوا الفساد وهو تغيير الدين {في الأرض} أي التي هي الأرض كلها، وهي أرضنا هذه، أو الأرض كلها، لكون مثل هذا الفعل جديرًا برد أهل الأرض كلهم عن عقائدهم {ويذرك وآلهتك} قيل: كان أمر قومه أن يعبدوا الأصنام تقربًا إليه، وقال الإمام: الأقرب أنه كان دهريًا منكرًا لوجود الصانع، وكان يقول: مدبر هذا العالم السفلي هو الكواكب، وأنه المخدوم في العالم للخلق أو لتلك الطائفة والمربي لهم؛ ثم قال: وإذا كان مذهبه ذلك لم يبعد أن يقال: إنه كان قد اتخذ أصنامًا على صور الكواكب ويعبدها على ما هو دين عبدة الكواكب انتهى.
ولذلك قال: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24]،- هكذا قيل، وهو ظاهر عبارة التوارة الآتية في آية القمل، ولكن إرادته غير ملائمة لهذه المعادلة، بل الظاهر أنه كان سمى أمراءة آلهة، وسمى لكل أمير قومًا يتألهونه أي يطيعونه، فإنه نقل عنهم أنهم كانوا يسمون الحاكم بل والكبير إلهًا كما سيأتي عن عبارة التوارة، فحيث وقعت الموازنة بين موسى عليه السلام وقومه وبين فرعون وقومه، عبر بالآلهة تعظيمًا لجانبه بالإشارة إلى أنه إله أي حاكم معبود، ليس وراءه منتهى وملؤه كلهم آلهة أي حكام دونه، وموسى عليه السلام ليس بإله ولا في قومه إله بل هم محكوم عليهم فهم ضعفاء فكيف يتركون! وحيث نفي الإلهية عن غيره فبالنظر إلى خطابه للملأ {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] وحيث حشر الرعية ناداهم بقوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] وكأن ذلك كان يطلق على الحاكم مجازًا، فجعلوه حقيقة وصاروا يفعلون ما يختص به الآلهة من التحليل والتحريم كما قال تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله} [التوبة: 31] فكفروا بادعاء الربوبية بمعنى العبودية، ونفي المعبود الحق بدليل آية: {ما عملت}، والحاصل أنهم عيروه بالرضى بأن يكون رئيسًا على القبط وموسى عليه السلام رئيسًا على بني إسرائيل فيكونوا بهذه المتاركة أكفاء للقبط.
ولما أعجزه الله سبحانه أن يفعل أكثر مما كان يعمل قبل مجيء موسى عليه السلام لما يراد به من الاستدراج إلى الهلاك، أخبر عنه سبحانه بما يفهم ذلك فقال مستأنفًا: {قال} أي فرعون {سنقتل} أي تقتيلًا كثيرًا {أبناءهم} أي كما كنا نفعل {ونستحيي نساءهم} أي نبقيهم أحياء إذلالًا لهم وأمنًا من غائلتهم في المستقبل {وإنا فوقهم} أي الآن {قاهرون} ولا أثر لغلبة موسى لنا في هذه المناظر لئلا تتوهم العامة أنه المولود الذي تحدث المنجمون والكهنة بذهاب ملكهم على يده فيثبطهم ذلك عن الطاعة، موهمًا بهذا أن تركه لأذى موسى عليه السلام لعدم التفاته؟ إليه، لايعجزه شيء عنه. اهـ.